محمد عطية
--
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (الآية ١٩١) في سورة التوبة ، ذكرها الله بعد انتهاء الحديث عن الثلاثة الذين خلفوا عن الغزو مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ، معاني تلك الآية تدور مع معاني الآيتين السابقتين لها وتعطينا العبرة والأمر الذي فيه نجاتنا.
فلما ذكر الله أن هؤلاء الثلاثة ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وعانوا ما عانوه بعدما أمر الرسول -صلي الله عليه وسلم- بمقاطعتهم وكانت تلك المقاطعة بمثابة التمحيص لهم حتى ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
وهكذا تحقق معنى التقوى ، وحينها تاب الله عليهم كما تاب على رسوله والمهاجرين والأنصار وصاروا معهم مرة أخرى بعدما تخلفوا عنهم ، وقد جعل لنا ذلك الحدث موقفا عمليا تلخصه تلك الآية كعبرة لنا فيها الهداية والصواب .
فالتقوى والصدق من علامات المؤمن وأعماله القلبية والتي تظهر مع الاختبارات الشديدة مثل الجهاد في ساعة العسرة، قال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) .
وهكذا يظهر لنا معنى الصدق جليا ، فالصدق هو الإيمان ، و الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالجوارح يصدق ما صدقه القلب ، ولهذا كان الشك نقيض الإيمان لأنه نقيض التصديق ، قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون)، ولهذا أيضا تتفاوت مراتب المؤمنين وتتفاوت أجورهم ، فرب عامل يجازي بحسنة عشر حسنات ، ورب آخر يضاعف له إلى سبعمائة ضعف ، ورب ثالث يضاعف له كيفما شاء الله، وهم جميعا عاملون لنفس العمل لكن الأخير صدقه أعلى وإيمانه يزداد بدرجة أكبر، وقد يبلغ المرء بصدقه ما لا يبلغه عمله، فعن أبي ثابت سهل بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ». رواه مسلم.
فالحمد لله على نعمه أولا وآخرا .