الجمعة، 11 سبتمبر 2015

بين العاطفة والشهوة



إبراهيم هلال
-- 


يبدو للوهلة الاولى ان فيلم التوازن – Equilibrium - ذو نمط متشابه مع باقى الأفلام الأجنبية، والغريب عن البيئة الشرقية والعربية – الإسلامية خاصة - الأفلام أيضًا تحتوى على أفكار تبدو غريبة وغير واقعية بالنسبة لشخص يعيش فى الوطن العربى الإسلامى
فالكائنات الفضائية والوحوش والأناسىّ الآليين غير مألوفين هنا !
غير أنه عندما أدمن الرجل التلفاز فهو قد اعتاد على كل شئ غير مألوف دون أن يسمح لعقله الواعى بأن يترجم الأفكار !
فى الفيلم المدعو Equilibrium
يظهر البشر أنهم قد سأموا من الحروب والصراعات والنزاع
واكتشفوا أن تلك الحروب هى قرارت صدرت عند الغضب أو هى ترجمة مادية للشعور بالانتقام
هو ذلك الشعور ..قوة العاطفة تحرك البشر نحو أشياء إذا اكتملت فقد تدمر العالم
فقرر البشر أن يكون مجتمعهم أملسًا ، خاليًا من أى عاطفة
ساعدهم فى ذلك تقدمهم العلمى واستخدام المادة بطرق متقدمة وحديثة
ابتكروا مصل يمنع الشعور، كل الشعور وأى شعور
لا حزن لا غضب لا حب لا انتقام لا فرح لا ندم .....
وقرروا أن يحرقوا كل شئ يتصل بالروح أو الفن أو يتصل بأى شعور أو يولّد أى شئ من العاطفة
ظهرت خلفيات ذلك المجتمع صماء بلا أى نقش أو شئ يعبر عن الفن
الآن الرجال فى مهمة خطرة !!
فقد اكتشفوا مخبأ للخارجين على القانون يخبأون فيه لوح فنية قديمة
وصل العميل المكلف بالمهمة للمكان واستطاع أن يقضى على الخارجين ببراعة شديدة
وحرقوا كل اللوح الفنية
يستمر الفيلم ويقتل العميل صديقه لانه اكتشف أنه يقرأ كتاب
ثم يقبض على امرأة وجدوا تحت بيتها غرفة تمتلئ باللوح الفنية
أحرقوها فى الفرن
ثم تمر الأيام وتتناوب الأفكار فى رأس ذلك الشخص
ويمتنع عن أخذ المصل المقاوم للشعور يوما بعد يوم
ثم يقرر هذا الشخص أن يتعاون مع الخارجين ويقتل الرئيس الأب
وينتهى الفيلم بأن ذلك المجتمع انهار تمامًا، وخرج الناس من القيود ليحيوا حياتهم الطبيعية فيحزنوا ويفرحوا
بيد أن الفيلم قد اظهر هؤلاء الخارجين فى مشهد ( بار) يمتلئ بالرجال يرقصون فى أيديهم زجاجات الخمر والنساء بملابسها المكشوفة
الفيلم قد عقد مقارنة بين المجتمعين فمجتمع اللاشعور الناس فيه يلبسون البدل لا يبتسمون، يؤدون عملهم بإتقان ويصلوا دائما فى مواعيدهم
مجتمع متقدم فعلا تتحكم الاله فى كل شيء، بل إن الإنسان تحول الى آله !
أما المجتمع العادى فهو مجتمع فوضوى تتحكم الشهوات فى الرجال والنساء
يرقصون ويغنون بلا قيود وبلا حساب
وقرر الفيلم أن المجتمع الثانى انتصر لإن الإنسان لا يستطيع مقاومة الشعور بالعاطفة طويلا
يعتقد الناس فى المجتمع المادى انهم عندما قضوا على العاطفة والجمال فإنهم قد أقروا السلام وأنهوا الصراع وانتهت المشاكل
لكنهم فى الحقيقة كانوا يحاربون العدو الخاطئ
كانوا يحاربون الفن والجمال ولكنهم تركوا الشهوة
لم يستطيعوا أن يقضوا على الشهوة والغرائز بداخلهم
استمروا فى الزواج وجمع المال والبحث عن السلطة
وأصبحت الشهوات هنا مجردة من العواطف
اما المجتمع الذى انتصر لم يكن مجتمعا مثاليا ايضا
وذلك يظهر فى مشهد (البار) الذى ذكرته من قبل
الشهوات هنا ممزوجة بالعاطفة
والفن
واذا كان مجتمع الآلات والمادة مليء بالقيود
ليس به أى مساحة للحرية
فإن المجتمع البشرى هو الآخر مليء بالقيود الشهوانية والغريزية
إننا لا نرى الأشياء على حقيقتها بسبب تلك الشهوات وهذه القيود

نرى الجمال فى غير صورته ولا نرى القبيح قبيحا
كم زوج هو غير سعيد مع زوجته وأصبح لا يراها جميلة
كم شخص تغيرت رؤيته للأشياء عندما فكر بشكل مختلف أو مع مرور الزمن
الشهوة تمنح القبيح طبقة من الجمال وأحيانا تسلب الجمال حقه !!
هذه الطبقة مزيفة لذلك سرعان ما تتلاشى بعوامل الطبيعة
الشهوة قيود على الإنسان حين يستطيع أن يتخلص منها سيرى كل شيء فى صورته الحقيقية سيرى الجمال ينبثق منه القبح، والقبح يحتوى على الجمال خارج نطاق المادة
أما الشهوة فهى تتخذ العاطفة سلاح أو مبرر أو غطاء لكن العاطفة تستطيع ان تستقل عنها وتنتصر عليها
كم سألت نفسى ؟؟
كيف كان سينظر الرجال والناس لبعضهم البعض إذا اختفت الشهوة بينهم ؟؟
كيف ستنظر إلى نظام الزواج وحقيقته وجوهره إذا اختفت الشهوة ؟؟

المجتمع الذى تسيطر عليه الشهوة يفقد روحه وأخلاقه ومبادئه وضميره ومعاييره وتصبح الشهوة غاية وكل شيء وسيلة للحصول عليها
المجتمع كله أصبح بائعًا ومشتريًا وسلعةً
عندما فقدت الروح مكانتها عند البشر
وأهمل البشر طرق سمو روحهم
وتدنت الروح رويدا رويدا فقددت صلتها بجوهر الروح العظمى
وحينها جهلت الصورة الحقيقية للجمال
فقدت النور وتاهت فى ظلمات العالم تتخبط
تبحث عن ملاذ لها
فلا تجد إلا الظلام ..وتصبح لذة الشهوة قصيرة وحسرة الندم لا تنقطع
ولكن السؤال ... هل يمكن للعاطفة ان تستقل عن الشهوة ؟؟؟
اعتقد أنهم دائما ما يتقاطعا ! لكن مصطفى محمود عندما تكلم عن العاطفة والشهوة - كتابه : أناشيد الإثم والبراءة - فهمت أن قوة العاطفة تستطيع أن تنفصل عن الشهوة عندما نفكر بأرواحنا فى أن الجمال مستمد من الله، حينها منحنى العاطفة يصل إلى درجة تظهر فيها الشهوة، فيكون الزواج حينها مثالى، أما أنك تفكر بشهواتك فتعشق ذلك الجسد إلى أن تحصل عليه ثم ينتهى كل شيء
فاعلم أنك أسير شهواتك